الجمعة 2024/4/12
كل مرة كانت هذه المكالمة تجعلني أبكي بعد الانتهاء منها لكن صوتها اليوم كان أقوى من قبل، ربما يكون السبب في ذلك عودتها إلى بيتها في الشجاعية بعد أشهر من النزوح في أماكن كثيرة، صوتها القوي جعلني أشعر بقوة، بسببها أنا أكتب الآن.
مكالمة هاتفية لم تستغرق خمس دقائق، وصلتني رسالة إن المشترك الذي تحاول الاتصال به أصبح متاحا.
خالتي نادية التي ما زالت في شمال قطاع غزة منذ ثلاثة أيام احاول الاتصال بها لكن دون جدوى، وصلتني الرسالة واتصلت بها على الفور.
ألو؟ أنا عصام!
قالت لي بصوت فيه من السعادة أشعرني براحة غريبة "ليش ما اجيت عليا ولى" ضحكت وقلت لها "هيني جاي". خالتي نادية امرأة ناعمة ملامحها تشبه الفراشات، جميلة كالحدائق، يزهر كل من يقترب منها، من المعتاد أن أزورها كل عيد في بيتها لكن هذا العيد أبعد بيننا، هي في الشمال وأنا في الجنوب والاحتلال يفصل بيننا بحاجز وسط البلد والطائرات فوقنا ومئات الجنود حولنا، كانت زيارتها من ألطف الزيارات على قلبي، أجلس أمام أم متعلمة ترعى أبناءها مثقفة وجميلة وهادئة جدا، كانت تهتم لكل ما أفعله وتسأل دائما ماذا كتبت!
كل مرة كانت هذه المكالمة تجعلني أبكي بعد الانتهاء منها لكن صوتها اليوم كان أقوى من قبل، ربما يكون السبب في ذلك عودتها إلى بيتها في الشجاعية بعد أشهر من النزوح في أماكن كثيرة، صوتها القوي جعلني أشعر بقوة، بسببها أنا أكتب الآن.
كان يحرق قلبي اعتياد الناس على مشهد الموت هنا في الجنوب وظهور بعض مظاهر العيد كأن شيء لا يحدث لنا، لا أعلم كيف يشعر الإنسان عندما يلبس الملابس الجديدة ويتجول في الشوارع وفي ذات الوقت يسيل دمنا على الأرض ولا أحد يحرك ساكن.
العيد يتشح بالسواد وهناك من يحاول أن يلونه ليعود لطبيعته لكن كيف يعود وفي خاصرته خنجر! وكيف يعود لبيته إذا البيت لم يصبح له أثر!
في أول يوم عيد، ذهبت مع صديقي من رفح إلى خانيونس ثم النصيرات ودير البلح، ذهبنا عن طريق شارع صلاح الدين بعدما انسحب منه الاحتلال قبل أيام، جلست في المقعد الخلفي للسيارة وفتحت كاميرا الجوال وبدأت بالتصوير من بداية رفح حتى وصولنا النصيرات، كل شيء في طريقنا مُدمر ولا تعرفه إلا بعد إطالة النظر فيه، ما زلت النار مشتعلة في البيوت، الاسعافات تنقل الاصابات والشهداء، والناس تحاول أخذ ما تبقى من بيوتهم.
إن من يستطيع تخطي كل هذا الموت ويحاول الاستمتاع بالعيد بالتأكيد فقد شعوره بغيره، اما للعالم الخارجي فليحتفل كما يشاء لأنني لا أرى وصف أكثر تشابه لما يحدث كما قال تميم البرغوثي في قصيدة (في القدس) "الموت فينا وفيكم الفزعُ.."