صوت الموسيقى والصواريخ
اشتقت لتلك الجلسات والأمسيات التي كنّا ننظمها مع فريق الكتابة المنتسب له في المؤسسة التي كنت أعمل بها كمدرب كتابة إبداعية، كان الفريق ينظم حفل موسيقي كل ثلاثة أشهر أو أكثر
استيقظت اليوم وكعادتي اذهب إلى الحمام من مكان نومي في المدرسة إلى داخل مستشفى الأوروبي التي يقيم فيها والدي المصاب، يستغرق مني وقت تقريبا خمس دقائق، وعندما مررت بشارع السوق المتواجد في المستشفى تذكرت بائع يشغل الأغاني والموسيقى يوميا فذهبت للحديث معه.
السلام عليكم، أنت من يشغل الأغاني يوميا في ساحة المستشفى؟ نظر إلي بملامح خائفة وقال إذا كانت الأغاني تزعجك ستكون هذه المرة الأخيرة، ضحكت وقلت له لا أبدا كنت اسأل من باب الفضول وسأعود للحديث معك ليلا لأن دراجة الحرارة الآن تلسع الجسد لكني أريد معرفة شيء واحد ما الذي يجعلك أنت الوحيد الذي يشغل الأغاني في السوق بصوت مرتفع، قال ضاحكا لكي أجعل الناس تفرح! وذهبت.
عرفت سبب ارتباك الشاب لأن ملامحي الحادة وأنا أمشي في الطريق لا تفارقني، فلماذا أضحك إذا لم يكن هناك شيء يُضحكني!، ظن الشاب أني رجل أمن يحمل ملامح حادة يريد إيقاف تلك الموسيقى احتراما للشهداء وأهاليهم ومراعاة شعورهم بالفقد.
كان سبب حديثي مع هذا البائع أصدقائي، تذكرت أصدقائي من النصيرات. كنت أجلس مع صديقي الكاتب وعازف العود محمد غنيم على سطح البيت نغني سويا، كان لدينا مجموعة من الأصدقاء نلتقي بهم في بيت محمد أسبوعيا، أغلبهم أصواتهم جميلة والبقية يكتبون الشعر ويجيدون العزف على الآلات الموسيقية، كانت هذا الأوقات بمثابة الفسحة التي تأخذها رغما عن معارك الحياة، كان هناك مقولة مشهورة لمحمد كما أتذكرها في ذهني بمعناها، علينا نخفض صوت العالم وليعلو صوت الموسيقى.
اشتقت لتلك الجلسات والأمسيات التي كنّا ننظمها مع فريق الكتابة المنتسب له في المؤسسة التي كنت أعمل بها كمدرب كتابة إبداعية، كان الفريق ينظم حفل موسيقي كل ثلاثة أشهر أو أكثر، كل شخص داخل الفريق يُجهز نصه الشعري ويأتي محمد لتنسيق الموسيقى مع النصوص هو وصديق آخر لنا، كان يأخذ منا التجهيز وقت أسبوع تقريبا من تحرير نصوص واختيار موسيقى مناسبة للنص وتجهيز الشخص نفسه ليخرج للجمهور ويقرأ عليهم النص، كانت هذه الأوقات شاقة لكنها ممتعة وسريعة لأنها جميلة، وتنتهي أيضا بإعجاب شديد من جمهور الفريق، لقد كانت حياتنا مليئة بالموسيقى والجمال والشعر، الآن جميع من في غزة يسمعون صوت الصواريخ وهي تنزل فوق رؤوسهم.
في الليل ذهبت للبائع كما اتفقت معه لكني لم أجده ووجدت أخيه بدلا منه، عرفت عن نفسي وعن الحوار الذي دار بيني وبين أخيه وسألته ذات السؤال لكن جوابه كان مختلف كليا، حيث قال لي أنه يشغل الأغاني لأنه يشعر بالملل وهو يبيع ويريد من الوقت أن يمشي سريعا، قلت له ما اسمك؟ قال خالد!
خالد يفتح باب رزقه من الساعة التاسعة صباحا حتى الساعة الواحدة منتصف الليل، سألته إذا كان في عائلته شهداء قال نعم! ثم سكت سكوت غريب، لا أعرف لماذا يخاف خالد وأخيه من صوت موسيقاهم، ولماذا تكون الموسيقى أصلا اشتباه يوقفك عليها أحد، ربما حالة العدوان خلقت في أنفسنا شيء من الرهبة تجاه ما نحب أن نفعله وما كان عاديا!
نشر هذا النص باللغة الألمانية في جريدة تاز