أمريكا تضرب على فلسطين نووي

بعد أسبوع من نزوحنا من مستشفى غزة الأوروبي على منطقة المواصي الإنسانية التي يتحدث عنها جيش الاحتلال أمام العالم، استيقظ على صوت طفل يقول بصوت عال، "أمريكا تضرب على فلسطين نووي"

أمريكا تضرب على فلسطين نووي
منطقة نزوحنا الجديدة - منطقة الموازي

بعد أسبوع من نزوحنا من مستشفى غزة الأوروبي على منطقة المواصي الإنسانية التي يتحدث عنها جيش الاحتلال أمام العالم، استيقظ على صوت طفل يقول بصوت عال، "أمريكا تضرب على فلسطين نووي"

مع أن الاحتلال من يضرب فلسطين بمساعدة أمريكا لكن كيف لهذا الطفل أن ينضج وعيه لتكبر في رأسه جملة كهذه وتخرج للناس.

منطقة المواصي أراضي واسعة في خانيونس ورفح حددها الاحتلال لينزح إليها المواطنين قبل دخولهم أي محافظة، الخيام متلاصقة ببعضها البعض، منها ما تحمل أسماء الدول المتبرعة على الخيمة وشكل الخيمة يختلف من دولة لأخرى ونوع القماش المصنوع منها الخيمة وهناك خيام مصنوعة من الجلد، لكن أشهر الخيام بسبب مساحتها هي الاماراتية والسعودية والألمانية، ثم تأتي الباكستانية بسبب نوعية القماش وشكلها الهندسي المختلف عن جميع الخيام.

يعيش الناس حالة دورية من النزوح كلما قرر الجيش دخول مكان ما وفي كل مرة يدخل فيها يحصد أرواح الأبرياء في طريقه، منطقة المواصي أصبحت المكان الأكثر خطورة في قطاع غزة بسبب الاستهدافات التي يقوم بها الجيش ويقتل آلاف من الناس في لحظة واحدة دون سبب غير أنه قادر على فعل ذلك.

تبدأ رحلة النزوح من اللحظة التي يعلن فيها الجيش إخلاء المكان، تبدأ الناس بالبحث عن مركبات تنقلهم مع أغراضهم وتبدأ معاناة النازحين من تجار الحرب عندما يطلبوا أسعار مرتفعة لنقلهم، ولا يكون بيد أحد منهم حيلة إلا الموافقة لأنه يريد النجاة بنفسه، يفك خيمته ويأخد كل ما يستطيع ويذهب إلى مكان يمكن نصب خيمته، ثم يبدأ بعمل حمام.

عندما تنصب الناس خيامها تبحث عن الأماكن المتوفر فيها مياه لأن الماء أهم ما يبحث عنه الإنسان.

بعدما وجدنا مكان ننصب فيه خيمتنا في منطقة المواصي بالتحديد في مدينة أصداء، ذهبنا لنشتري الخيمة وقمنا بنصبها مع البائع، في اليوم التالي بدنا بفحر حفرة دائرية بعمق مترين من أجل تصريف الحمام، اشترينا قاعدة الحمام المصنوعة من الباطون على يد الناس في غزة، ثم تقوم بمد ماسورة بلاستيكية بالاسمنت إلى الحفرة وهكذا تكون انتهيت من عمل الحمام الأرضي الذي يطلق عليه "الحمام العربي"ومساحته متر ونصف في متر ونصف مغطى من كل الجهات بقطع قماش أو شوادر، هناك من يستطيع عمل حمام افرنجي بمعنى "كابنيه" بسبب التصريف الجيد للمكان خصوصا إذا كان في مخيم مدعوم من جهة ما، لكن الحمام العربي هو الأنسب لحالة النزوح لأنه أقل استخداما للماء من الافرنجي ومفيد من الناحية الصحية لجلسة الجسد داخل الحمام، لكنه صعب جدا على شخص مثل والدي بسبب اصابته في يده وقدمه ومن المفترض أن يكون داخل مستشفى يتلقى العلاج، والدي يعاني من كسور مزدوجة في يده اليسرى وقدمه اليمنى وفيهم بلاتين داخلي وفقدان عينه اليسرى وهذا يجعل حياته جحيم داخل الخيمة وتحت أشعة الشمس التي تأثر على عينه التي بحاجة إلى ثلاث عمليات فورية ولا أحد يرى معاناته غيرنا ولم نستطيع حتى اللحظة إخراجه للعلاج خارج غزة رغم حالته الحرجة.

كي تشعر بنوع من الخصوصية تغلق على نفسك بسور من الشوادر وتغطيه مقابلة مع الخيمة وتصنع لنفسك زاوية للمطبخ وأخرى للغسيل، الناس هنا في مدينة أصداء يتخلصوا من النفايات بطريقة تختلف عن كل المناطق في غزة، يقوم الناس هنا بالحفر في الأرض ودفن نفاياتهم لأنه من الصعب وصول شاحنات النفايات إلى هذا المكان ولا يمكن عمل مكب للنفايات فيه.

الخيمة حارة طوال النهار وباردة في الليل، في النهار تشعر أنك تريد خلع ملابسك كلها وفي الليل تغطي نفسك خوفا من البرد،  تستيقظ من النوم بسبب أشعة الشمس وعرقك يتصبب من ظهرك وعلى الذباب، الذباب يحوم حول وجهك طوال الوقت،الرمل في كل مكان حولك ولا يخلو جسدك أو ملابسك منه، حتى الطعام لا يخلو من الرمل، في البداية ستشعر بعدم الارتياح لكن ستتعود شيئا فشيء.

في المنطقة يوجد بئر كبير يطلق عليه الناس اسم "الحاوّز" يغذي كل المنطقة بالماء، يأتي الناس من مختلف المناطق كي يحصلوا على حاجتهم من الماء في خزانتهم ونقلها عن طريق كارة يجرها حمار أو عربة من صنعهم أو حملها باليد والمشي فيها مسافات حتى وصولهم إلى خيمتهم، نحن أيضا نحمل الماء على أيدينا حتى نصل خيمتنا، الماء الصالحة للشرب تأتي في بعض الأوقات شاحنة مجانية يتهافت عليها الناس فوق بعضهم ويتشاجروا أيضا لأنها الفرصة الوحيدة التي ستحصل على ماء دون دفع دولار مقابل 10 لتر من الماء الصالحة للشرب نوعا ما، وبهذا الجو كمية كهذه لا تكفي بسبب الحر الشديد وكثرة شرب الماء.

هناك الكثير من الناس لا تستطيع تلبية حاجاتها اليومية وتعيش على القليل والمتوفر ومثل هذه الحالات هي التي تجعل الناس تشرب من المياه العادية ويتسبب في ذلك مغص وإسهال وفي ظل نقص الرعاية تكون حالتهم محزنة.

عائلة كعائلتي تتكون من 8 أشخاص يحتاجوا في الشهر ما يقارب 550 دولار للطعام فقط بسبب غلاء الأسعار، وباقي متطلبات الحياة لها حساب آخر مثل شحن الهواتف واستخدام الانترنت وأشياء أخرى كثيرة، ستحبرك الحياة على اختيار ما هو أهم بالنسبة لك ولعائلتك بما يتناسب مع دخلك، لكنك لن تنجح في ذلك دائما، الكثير من الناس فقدت عملهم وتحولوا إلى بائعين، المهنة الأكثر انتشارا لأن كل شيء توقف عن الحياة والتجارة هي الشيء الوحيد المستمر حتى تجارة الدم أيضا.

الحياة في غزة ليست كما هي على الشاشة، الواقع أصعب مما يتصوره العقل، قبل أسبوعين شربت من الماء الصالحة للشرب ما زال بطني يؤلمني بين الحين والآخر حتى هذه اللحظة، مع أنها صالحة للشرب، كما غزة أيضا صالحة للعيش.


نشر هذا النص على موقع حكاية ما انحكت