التعرّف على الأرض
تعرفت على الأرض أكثر، عرفتني على نفسها وأعطتني المعرفة في كل مرة كانت تُفشل مخططاتي في عمل شيء ما
يقول الناس في الحياة، كلما أقتربت من الشيء عرفته أكثر، لكن الحداثة خلقت فجوة بين ما يساعد الإنسان على النضوج بعافية وحكمة وسحبته إلى التورط في الأوهام، فككت العلاقات وإعادة تسميتها تحت مسميات فردية ليفقدك معنى وقوة الأهالي.
ما يحدث حاليا في قطاع غزة ما هو إلا دس الفساد لتدمير الشعب، قتله بكل الطرق المتاحة أمام العالم، تخريبه كي لا ينهض مرة أخرى، لأن النهوض يكلفهم المزيد من الحقد والقتل على الشعب.
بعد انتقالنا من البيت إلى الخيمة، بعدما نزحنا تحت تهديد السلاح والقصف من شمال القطاع إلى جنوبه ثم قضينا فترة في المستشفى ثم فترة في الخيام حتى هذه اللحظة، خلال وجودي في الخيمة، تعرفت على الأرض أكثر، عرفتني على نفسها وأعطتني المعرفة في كل مرة كانت تُفشل مخططاتي في عمل شيء ما، عندما كنت في مدينة أصداء وكانت أول تجربة لنا في صنع بئر الحمام، لم نحفر الحفرة بالطريقة المناسبة لرمل المنطقة، يطلق على رملها (سافية) كانت تحتاج إلى أدوات أخرى تساعد في عدم سقوط الرمال على بعضه ثم خسارة الحفرة والحمام، التجربة مع الأرض والعمل معها عرفني ذلك وبما أنها أرض غير صالحة للزراعة فالحفر فيها سهل، بينما بعد نزوحنا إلى مكان آخر تغيرت تربته وتغيرت التجربة أيضا لنتعلم أشياء جديدة تُعطينا إياها الأرض، التربة طينية، الحفر أصعب بكثير وصالحة للزراعة يعني أن الأرض مليئة (بشروش الأشجار) بجذور الأشجار وهذه صعوبة أكثر للحفر لكن البئر لا يتساقط على بعضه أبدا، يبقى متماسك لكن الأرض لا تتشرب الماء بسهولة وسرعة فتحتاج إلى عمل بئر آخر كلما امتدت فترة نزوحك في المكان.
تغيير مكان نومي من على السرير الخشبي المرتفع عن الأرض إلى الفرشة القريبة جدا من الأرض جعلني اتقرب من الأرض أكثر وجعل جزء من الخوف بسبب زواحف الأرض يقل كثيرا، بالسابق كنت أتعامل مع الحشرات والديدان والصراصير والخنافس من خلال وسيط وهو الحذاء كي أضربهم، اليوم أجدهم يسبحوا على جسدي وليس هناك وقت كي اتخلص منهم إلا بيدي، لقد تعودت يدي على طينتها وحشراتها أكثر مما تخيلت، فقدت الخوف الذي تربى داخلي بأن البعد عن الأرض والتمدن هو تطور، بينما عرفت أكثر أن طبيعة الأرض هي القوة والعافية، اكسبتني معرفتها ،في كل مرة كانت تُعطيني فيها درس جديد، كنت أفكر دائما في الناس التي عاشت في شبه الجزيرة العربية وكيف عاشوا حياتهم مع الأرض وصعوبتها لكنهم ولدوا لا يعرفون سوى الأرض بينما نحن نتأقلم ونتعرف عليها أكثر بعدما ابتعدنا عنها لأن الاحتلال كان يدس فينا خرافات عنها بينما هو يسرق منها أهم المحاصيل، كان استذكاري لشبه الجزيرة العربية يخفف عليّ حدة ما أعيشه حتى بدأت أتعلم مما أنا فيه، وأننا يمكننا نقل المعرفة دون الحاجة إلى مناهج تقتل روح التعلم فينا، نحن الآن ندخل على قرابة العام دون مدارس وماذا حصل لنا دونها ! لا شيء لم نمت بل عادت إلينا عقولنا،المعنى الحقيقي الذي شكلته خلال هذه الفترة هو ( كلما اقتربت من الأرض زادت قيمة ما تملكه، كلما ابتعدت عنها فقدته).