المدينة الفاضلة
النظام التعليمي ورث مفهوم العصا لمن عصا والأستاذ يضرب والأباء ليس لديهم سوى جملة واحدة "كسر ونحن نُجبّر"
الأفكار تغلي في رأسي، رأسي يغلي في قدر من الماء، أقترب من الذوبان لكنه يعود في كل مرة إلى حالته الأولى، كل شيء يحدث هنا غريب بحجم غرابة عدم معرفة حقيقة مشاعرك تجاه الأشياء حولك، استيقظ كل يوم على صوت المدينة الفاضلة، ألبس حذائي ثم اذهب للعمل، أرى طفلتين يفعلون الشيء ذاته كل يومين، يفعلون حركات مع بعضهم لا يستطيع الصغار فعلها إلا إذا رأوا الكبار يفعلونها، اذهب للعمل ثم، اذهب كي أشحن هاتفي ثم أعود للخيمة مجددا، أنام، استيقظ أرى الطفلتين واسمع الناس تحكي عن مذاهبهم وكل ما يتعلق بهم، بذكرايتهم والتحليل المستمر لموعد وقف إطلاق النار.
الخيمة باردة جدا لكن البكاء يجعل البرد أقل حدة، اسمع صوت أنفاس الناس تتعالى في الليل بسبب فيروس منتشر يصيب الجهاز التنفسي، يصعب عليهم التنفس، يتألمون كم لو أنهم واعين لما يحدث معهم، الكحة لا تتوقف أبدا وسيلان الرشح يبقى مستمر ، وكنوع من أنواع المقاومة تُباع المحارم في الأسواق بسعر 5 دولار للباكيت الصغير ، استيقظت قبل قليل على أصوات القنابل وهي تنزل في مكان قريب منّا ورائحة البارود التي تجعلك تختنق، الخوف لم يعد موجود وكل ما اسأل نفسي به هو، لماذا يحدث كل هذا، ثم بدأت بتكرار هذه الكلمات (الموت لا يجلب إلا المزيد من الموت. الله حق، الدم لا يُنسى والجلاد لا يهرب، الله حق، الثأر حق، والنار بيننا)
المدينة الفاضلة هي خيمة بالقرب من خيمتي تعيش فيها أستاذة تعلم في المدارس، تقول أنها تربي أجيال، اسمعها وهي تحاول تلقين أبنائها بعض القيم وتحاول تعليم أطفال المخيم بعض الأشياء بطريقة تجعل كل من يسمع يسخر من الطفل، هذي الأستاذة لها ابن يبلغ من العمر خمسة عشر عاما يعمل لها كل ما تطلب، يرتب الخيمة، يذهب للسوق، ينقل الماء ويشتري لها كل ما تريد وعندما يخطئ خطأ ساذج تقول له "الله يحرقك، حسبي الله فيك"
لديها ابنة أيضا بعمر ثلاثة عشر عاما تعتني بأختها المولودة وتساعد في صنع الطعام وغسل الملابس وعندما تخطأ تُضرب بالكرباج ليلا ويسمع صوت بكائها جميع من في المخيم، هذه الأستاذة لديها أخت تتعرض للضرب من صغرها حتى كبرت الآن وفقدت جزء من عقلها بسبب الضرب، هي أيضا موجودة في ذات المخيم ونسمع أمها تضربها ليلا، الليلة الماضية كانت أمها تضرب أختها وهي تضرب ابنتها في ذات الوقت، لقد ورثوا الضرب حتى يفقد أحدهم جزء من عقله ويصبح يهذي مع نفسه، الوالد يشاهد كل ما يحدث بصمت، همه الأكبر إلا يسمع صوت مزعج، في صباح اليوم التالي نادى الوالد على ابنه، وكنت قد استيقظت قبل لحظات، قال الوالد لابنه بصوت هادئ متسلل من خلف الركام والخيام والقيم والأخلاق ،لم يعجبني البارحة طريقة تحدثك مع أمك، نزلت هذه الكلمات على أذني فصحوت وضربت بكفي على كفي الآخر وقلت بصوت عال وجدت المدينة الفاضلة فصارت أمي تضحك عاليا.
النظام التعليمي ورث مفهوم العصا لمن عصا والأستاذ يضرب والأباء ليس لديهم سوى جملة واحدة "كسر ونحن نُجبّر"، القيم لديهم تلقينية فقط، لا يحاولوا زرعها أو العيش بها، هم يريدون دسها غصب، التعلم يحتاج إلى رحمة، الرحمة تجعل التعلم تربة خصبة للانجاب.