الجمعة ٢١ آذار ٢٠٢٥

أريد كل تلك الأشياء الصغيرة التي يفرح قلبي لها فلافل السوسي وسط البلد، حمص الخزندار، والمقهى القديم على رمزون السرايا والبحر، البحر كله، لا أريد مكان آخر لكن كل هذا اختفى!

الجمعة ٢١ آذار ٢٠٢٥

خايف أصير بكرة خبر على الأخبار ويمر اسمي عادي وكل أحلامي تندفن معي والكل بتفرج ، بس بسأل حالي شو بدهم يعملوا يعني! إذا مش قادرين يساعدوا حالهم بدهم يساعدونا لنبطل نموت!، بعدين شو الدافع إللي بخليهم يوقفوا موتنا، مين إحنا !

ثم استذكر سيد أمام وهو يدندن مساكين بنضحك من الفرحة ويأخذني الحنين والذكريات إلى شكل بيتنا القديم دون شكله المتكسر الآن، كان يدخل من شباك غرفتي نسمات باردة، الان تدخل العاصفة كلها من الحائط المكسور، العاصفة خربت كل النايلون الذين وضعته بدل الجدران المهدومة، والقصف الذي قتل صديقي ضرغام مزق نايلون الشبابيك لأن بيته قريب من بيتي، لقد شاهدت البيت وهو يحترق وسمعت الانفجار لكني لم أكن أعرف أنه بيته ، كل شيء يرفرف ويصدر أصوات مزعجة في حلكة الليل. 

الحياة غريبة لا تعطي نفسها لمن يشاء، تختال بنفسها كأنها فتاة لا تشيخ أبدا وتجلس لا تداري جسدها لأنها تعرف أنك ستراها بنفس الهيئة على مر السنين، وأنت، أنت مسكين تقع في شركها اللعين وينفطر قلبك في كل مرة تنظر إليها لأنك تعرف إنها مراوغة وأنك مسكين لن تنالها.

شوارع غزة ضيقة جدا كمساحة بالنسبة لشوارع المدن الأخرى التي زرتها في مخيلتي، تونس الخضراء وشوارعها الناعمة وشعورك وأنت تتجول فيها كأنها تفرش لك شعرها على الأرض، اما سوريا وشوارع الياسمين العتيقة، لا أدري لماذا يربط عقلي الشام بالياسمين وبالساحة الكبيرة الواسعة، الساحة الواسعة شيء في مخيلتي يربطها بالبيوت التي نشاهدها على التلفاز ذات الفناء الواسع في البيت وبعض هذه البيوت القديمة زرتها في غزة، كنت أشعر دائما عندما تدخل قدمي اليمنى عتبة هذا البيت أني دخلت الشام ويبدأ خيالي يسبح مع الأكلات الشامية التي لم أجرب منها سوى "الكبة".

وأتوه في خيالي مرة أخرى إلى شوارع برلين الخشنة الباردة، في كل مرة أزور فيها برلين أشعر بحاجتي إلى معطف ثقيل وهذا شيء غير مُبشر لأن الشوارع التي لا تمنحك الدفء بالطبع هي لا تحبك لكن ثم شيء ما يجعلني أريد زيارتها رغم عدم حبها لي، ثم تأخذني مصر للسهر في شوارعها وطولها الذي لا ينتهي والبؤس الذي فيها، هذا البؤس يشبه بؤس غزة. وعمان، أشعر أن شوارع عمان ضيقة وصاخبة جدا ولا أرتاح سوى في أزقتها لأنها تحاول أن تكون فير نفسها.

ثم نجتمع أنا وأصدقائي في مقهى أقل من العادي على طريق مدمر نشكي ونلعن المسافات والمعابر ونلعن غزة من شدة حبنا لها، ثم ماذا ! 

ثم لا نعود بشيء سوى أننا نحمل خيباتنا وحبنا الذين يهزمنا مرارا لأننا نعرف حتى لو خرجنا من هذه البلاد سنبقى أغراب أينما ذهبنا.

أريد كل تلك الأشياء الصغيرة التي يفرح قلبي لها فلافل السوسي وسط البلد، حمص الخزندار، والمقهى القديم على رمزون السرايا والبحر، البحر كله، لا أريد مكان آخر لكن كل هذا اختفى! 

ثم تعود صوت القنابل لتجعلك تكره كل شيء حتى نفسك، لا أريد لأحد أن يشعر بالحزن لكل ما قلته لأن الشعور هذه الأوقات أصبح رخيص جدا، لأن كل شيء تبدل وصار مزيف، أشعر أنني أريد الهرب من كل شيء ليس لعدم قدرتي على المواجهة، بل لأن كل يحدث أصبح سخيف.