الجمعة 2024/1/26

عندما يسرق العدوان منك كل المشاعر الدافئة التي تشعرك بآدميتك يأتي نصار يحمل الحب في يديه ليقول لك :إن قلبك ما زال على قيد الحياة، ما كان الحب يخطئك لو أنه لا يريد أن يصيبك.

الجمعة 2024/1/26

عصام – اليوم 112 من المجزرة

عندما يسرق العدوان منك كل المشاعر الدافئة التي تشعرك بآدميتك يأتي نصار يحمل الحب في يديه ليقول لك :إن قلبك ما زال على قيد الحياة، ما كان الحب يخطئك لو أنه لا يريد أن يصيبك.

أخبرتني صديقتي دالية عن نصار وزوجته، عن قصيدة الشعر التي كتبها لزوجته، كان نصار وزوجته في منطقة الزوايدة جنوب قطاع غزة بعد نزوحه من منطقة الكرامة شمال القطاع، تجمع نصار وبعض الأقارب والأصدقاء في صالة أفراح، قصفهم الاحتلال داخل الصالة، أصيبت زوجة نصار في وجهها بالجروح حتى أختفت ملامحها وفقدت عيناً واحدة والعين الأخرى لا تستطيع أن تبصر بها بسبب الشظايا ولا تستطيع فتحها إلا عندما يأتي الممرض ليضع فيها العلاج، لكن الجروح لم تكن عائقاً في وجه نصار وحبه لزوجته.

نصار معلم لغة عربية، يكتب الشعر، يحب زوجته المغتربة عن أهلها ولا يخشى أن يظهر حبه لها في العلن، يحارب العدوان عندما يُطعمها بيده كأنه يقول :ربما غيروا من شكلها لكنها ما زالت جميلة، ربما سرقوا جزءا منها لكني مازلت أملك قلبها، وما زال يقول للناس: إنك تستطيع أن تظهر حبك لزوجتك أمام العالم، يمكن لخوفك عليها أن ينطلق خلف الأطباء لتسأل عن حالتها الصحية باستمرار، يمكن أن يقول قلبك أمام الجميع :إن قلبك لا يقدر على دمعة تسقط من عينيها دون أن تخجل من نفسك.

في يوم دخلت دالية على نصار وهو يكتب على ورقة، فسألته: ماذا تكتب قال لها : قصيدة لزوجتي، كتب نصار القصيدة وظل طوال اليوم يلقي القصيدة لكل من يزورهم داخل الغرفة في المستشفى، وفي يومها تفتحت عينها مثل الوردة عندما سمعت القصيدة وصارت تفرك أصابعها خجلًا.

قالت لي دالية: يجب أن تسمع القصيدة وذهبنا إلى نصار، أخذني إلى منتصف الساحة في المستشفى وأخرج جواله وبدأ يلقي القصيدة ومع كل كلمة يهتز جسدي، صوته العريض الدافئ المغمور بالحب، يقول نصار : إن زوجته مغتربة وهو كل شيء لها ويقول في القصيدة:

لغة العيون مناهج ومدارس

وأنا السجين لسحرها والحارس

قد كنت دوما فارسا لجمالها 

واليوم يطعن في الفؤاد الفارس

طفئت عيونك زوجتي وحبيبتي

فأضاء قلبي دفئها المتجانس

وازداد حبي فيهما كغمامة

راحت تسِحُّ بدفئها وتسايس

بردا تجمد في العروق يذيبني

تبا لذلك البرد فهو القارس

مازال كحلك في خيالي حاضرا 

وكذا الرموش تثيرني وتمارس

فعل الأنوثة في الشبيبة يانعا 

فتثار فيَّ بلابل وهواجس

فأرد ظني باليقين لأنه 

ما نال حظا في الأنوثة فارس

إلا أنا ما زلت أعشق عينها 

لا حدْسَ عندي في الهوى ووساوس

عيناك مئذنة تطاول جيدها 

لا محفل ستدق فيه كنائس 

عيناك مثل حديقة بجنانها 

أو مثل كرم في السما وفرادس

عيناك لغز في السماء مغادرا 

فهي الفضا وتدور فيه عرائس