الغبار والبعوض والحرب
بجانبي في ذات الصف المدرسي الذي أنام فيه يفصل بيني وبين زوجة عمي ستارة، تنام هي وابنتها الصغيرة، طوال الليل تستيقظ من نومها قائلة "ابعدي، ابعدي" تقصد البعوضة، وعندما يأخذها النوم يفزعها صوت القصف ولا تنام، ولا أنام أنا إلا عندما أرى النهار بوضوح.
الساعة السابعة منتصف النهار، مستلقي على ضهري بين النوم والصحو، يوم كامل لا أستطيع النوم فيه ليلا، الأصوات تقلقني، صوت الطائرات التي لا تهدأ، صوت صراخ الناس على بعضهم لأنهم لا يجدوا ما يفعلوا فيصرخون، وعندما تسألهم عن السبب يقول لك أن بعوضة قرصتني جعلت أعصابي تغلي ولا أستطيع سماع صوت أحد. الساعة الثالثة فجرا كان يصرخ أحد الرجال في الخيام على رجل آخر وابنه الصغير لأن صوتهم لم يسكت منذ الصباح حتى الليل ولا يستطيعوا النوم، قال له إذا لم تسكت أنت وابنك سوف أصعد لك وأضربك، الطفل لم يستطيع النوم بسبب بعوضة تقرصه.
بجانبي في ذات الصف المدرسي الذي أنام فيه يفصل بيني وبين زوجة عمي ستارة، تنام هي وابنتها الصغيرة، طوال الليل تستيقظ من نومها قائلة "ابعدي، ابعدي" تقصد البعوضة، وعندما يأخذها النوم يفزعها صوت القصف ولا تنام، ولا أنام أنا إلا عندما أرى النهار بوضوح.
في كل مرة أذهب لقضاء احتياجات والدي الطبية أمر من خلال درج المستشفى الذي يوصلني بغرفة العمليات، على هذا الدرج تنام عائلات نازحة لم تجد لها مكان لا في الخيام ولا داخل المستشفى، جميع أدراج المستشفى بهذا الشكل. كنت أرى رجل وزوجته وأولاده ودائما اسأل نفسي سؤال، كيف يتحمل أصوات أقدام المارة ليل نهار! كيف ينام! متى ينام!
ذهبت إليه بأقدام خفيفة كي أتحدث معه لأن فضولي قتلني ولأن صمته يحيرني أكثر من فشل المفاوضات منذ 6 أشهر، وجدت زوجته جالسة، قلت لها اعذريني على تطفلي لكني كاتب وأريد الحديث مع زوجك، قالت لي كان هنا منذ خمس دقائق، قلت لها سأعود له لكن أريد الحديث معك أيضا، سألتها عن حياتها ونومها هنا على الدرج، لماذا الدرج بالذات؟ قالت لم نجد مكان لنا غير الدرج، كانت المستشفى ممتلئ بالنازحين، عندما أنام يجب أن أغطي وجهي كي لا أرى أقدام من تمر بجاني، كان لي بيت أنا وزوجي وأطفالي من غرفتين وحمام، بيت من الاسبست، كنت أراه صغير ولا يسعني لكني الآن أريد العودة إليه بدلا من الدرج لكن لا أستطيع العودة إلى مدينة عبسان الحدودية لأن الاحتلال دمر كل شيء هناك، تركت نڤين مع ابنتها وقلت لها سأعود من أجل زوجك.
زوجها محمد أبو عودة جزائري فلسطيني، من أم جزائرية وأب فلسطيني، عدت له بعد الساعة العاشرة مساءً، عرّفت عن نفسي فقال أن زوجته أخبرته عني، تمشيت معه قليلا، أخبرني عن وضعه الصحي، محمد لديه مرض صدري ويجب ألا يتعرض للغبار وأن يكون في مكان لا يوجد فيه رطوبة كالمكان الذي ينام فيه، قلت له إذا كان هناك فرصة لك أن تنتقل لمكان آخر هل تفعلها؟
قال لا أستطيع لأني اتعرض لنوبة من الاختناق والدرج قريب من طوارئ المستشفى، دقيقة واحدة أصل لهم ويتعاملوا معي، لكن إذا ذهبت لمكان آخر لا يمكنني فعل ذلك مع انقطاع أدويتي.
محمد يحاول السفر هو وزوجته لكنه لم يستطيع حتى اللحظة، يخاف أن يمشي مسافات طويلة حتى لا تأتي له النوبة ولا يستطيع أحد التعامل معه بسبب نقص المستشفيات والأدوية، يحاول أن يمشي في أروقة المستشفى ربما يسمع خبر توقف العدوان على قطاع غزة فيمشي إلى بيته حتى لو كلفه ذلك الاختناق.
نشر هذا النص باللغة الألمانية في جريدة تاز