الثلاثاء 28/11/2023
الكثير من سكان خانيوس داخل مستشفى الأوروبي عادوا إلى بيوتهم خلال الهدنة وبقي في الخيام أهل الشمال فقط، أيام قليلة دون سماع أصوات انفجارات لكن عدم السماح لنا بالعودة إلى بيوتنا ينقص من شعورنا بالحياة...
ملائكة الفرن
الكثير من سكان خانيوس داخل مستشفى الأوروبي عادوا إلى بيوتهم خلال الهدنة وبقي في الخيام أهل الشمال فقط، أيام قليلة دون سماع أصوات انفجارات لكن عدم السماح لنا بالعودة إلى بيوتنا ينقص من شعورنا بالحياة، عادت الحياة بشكل نسبي إلى وجوه الناس، البعض ذهب لحلاقة شعره رغم توفر الحلاقين في ساحة المستشفى طوال الوقت إلا أن الشعور بالهدوء هو من يطغى على أفعال الإنسان، البعض الآخر جاء لزيارة أقاربه، اليوم أجتمع كل خالاتي في المستشفى في مكان واحد ما عدا نادية التي بقيت في الشجاعية حتى اللحظة، تواجد الأهل في مكان واحد يعطيك شعور بالألفة ويزيح عنك شعورك بالغربة.
هذا العدوان أكسبني اسم طفولي جديد، عبود ابن سيدي من زوجته الثانية أو في رواية أخرى خالي عبود الطفل المصاب بمتلازمة داون، عبود طفل شقي جدا يحب الأكل كثيرا، يأكل دون شعوره بالشبع، مرات كثيرة يسرق ما في يدك ويمشي سريعا إلى زاوية الصف ليأكلها على انفراد، لكنه لا يسرق مني شيء، يقف أمامي ثم ينادي باسمي ويقول اعطيني.
عبود أعطاني اسم جديد بالنسبة لي لكنه قديم بالنسبة له، أحد أقاربنا اسمه أبو عصام كان يبيع ماء للشرب في شاحنة كبير، أبو عصام كان يأتي إلى بيت سيدي ليزودهم بالماء وكان عبود ينادي عليه "عصام ميا حلوة"، عندما اجتمع أنا وعبود بسبب العدوان في صف واحد صار يناديني "عصام ميا حلوة" لم يدرك عبود أن هناك عصام في شمال غزة لم يخرج من بيته، وعصام آخر خرج من بيته لأنه تعرض للقصف، ربما عدم إدراكه نعمة من الله لا يعيشها إلا عبود، بدأت بتعليمه كيف يساعد والده في تحريك كرسيه المتحرك ونقله من مكان لآخر وبدأ بالاستجابة معي، أكثر ما هو لافت فيه ليونته العالية، يستطيع فتح قدميه بشكل سبعة وهو جالس على الأرض ويقوم بثني قدمه خلف رقبته، لكنه لا يسكت أبدا، ننام على صوته ونستيقظ على صوته وهو ينادي بأسماء جميع الموجودين.
القليل من الناس تفضل انهاء أشغالها هذه الأيام في الليل، لأن الليل يكون ضغط الناس أقل خصوصا في الهدنة، ذهبت مع خالتي إلى فرن الطينة وبدأنا بالخبيز، وبعد القليل من الوقت امسك ابن خالتي معدن حديد وبدأ بطرقه على معدن حديد آخر مزروع في الأرض، صاحت عليه خالتي قائلة لا تطرق هكذا لأن فرن الطينة له ملائكة، تذكرت وقتها جدتي في الشجاعية في بيتنا وهي في شبابها عندما كنّا نخبز على الفرن وكانت تقول لنا نفس الجملة لا تطرق بشيء وأنت قريب من الفرن، لكني أول مرة أسمع عن ملائكة الفرن وفي كل مرة كان سؤالي يواجه بعدم الرد بشكل مناسب، فرن الطينة له مكانه خاصة في حياتنا حتى لو أن الوقت أخذنا إلى بديل، في طريق عودتنا إلى المدرسة وجدت صديقي الجديد يجلس على باب خيمته، صديقي طارق يعمل في مركز هولست الثقافي في قطاع الغزة، هذا المركز فيه مسرح كبير وطارق مسؤول عن الاضاءة، تحدثنا عن عالم المؤسسات وعن الأعمال التي قمنا بها قبل العدوان والعمل مع الأطفال كميسر كتابة إبداعية، وجه طارق يعطيك أمل أن هناك شيء قادم لا تعرف ما هو لكنه جميل، قال لي سنعمل على شيء بعد العدوان، سنجتمع في هولست وكأنه واثق تماما أننا سنعود، قلت له بالطبع سنعمل كأنني واثق أننا سنعود.
نوفمبر ٢٨