الأربعاء 14/11/2023
المطر كالعدوان، يمطر بغزارة ويأخذ معه أمان المكلومين ثم يستريح ويعود...
المطر كالعدوان، يمطر بغزارة ويأخذ معه أمان المكلومين ثم يستريح ويعود، أيام ثقيلة تمر علينا تحت العدوان الاسرائيلي وجاء المطر ليكمل المعاناة، غريبة هي الحياة في أدراك الأشياء لأن الله لا يرسل لنا إلا الخير، لكن المطر يسرق أمان الخيام في المستشفى، يسرق أماكن نومهم ويطردهم خارجا كما يفعل الاحتلال، الله رضينا بما أنزلت، عصينا وغفرت فأغفر ذلتنا الكبيرة.
البارحة في منتصف الليل بعد أن جهزنا خيمتنا بغطاء بلاستيكي كي يحمينا من الشتاء، لكن المطر كان أقوى من أعمدة خيمتنا وسقفها فصار الماء ينزل على روؤسنا، بدنا نخرج من الخيمة ونحمل أغراضنا بعد محاولات كثيرة لأبعاد الماء، أخذنا كل شيء يخصنا وذهبنا به إلى مدرسة حكومية مجاورة قالوا بأن الوكالة سوف ترفع علمهم عليها كي تصبح آمنة على أساس أن مدارس الوكالة لم تقصف من قبل، قضينا ليلتنا في صف نبكي حالنا.
الساعة الرابعة عصرا أخذت الباذنجان إلى فرن الطينة بالقرب من المستشفى، وجدت طفلة هناك اسمها حنان عيناها جميلة تنسيك الوجع للحظة لكنها تسرق منك الاطمئنان الذي منحته بالتعب في وجهها كأنها لم تكن طفلة يوم، حنان مثلي جاءت من أجل الباذنجان، ابتسمت لي وأخذت لها صورة، يأتي الناس إلى فرن الطينة يوميا من أجل أن يخبزوا عليه بالدور بسبب انقطاع الكهرباء وعدم توفر البنزين.
في الصباح أخذت والدي للغيار على جروحه، دخلت معه ودخل معنا طفل وأمه يريد فك الغرز من ظهره وأمه مصابة في قدمها ويدها، بعد أن طببنا جروح والدي نادى الممرض "حجاج" وقال امسك لي الطفل ولا تجعله يتحرك، ثبته من ظهره جيدا و بدأ يصرخ من الألم، الطفل فيه عافية كبيرة كان قادر أن يتحرك من تحت يدي وكنت خائف من الضغط أكثر ويُكسر حوضه في يدي، والد الطفل قال له قول يارب، صار الطفل يقولها بصوته البريء الغارق في الدموع، في هذه اللحظة سلب مني ثباتي وجعل دموعي تنزل لكني حبستها.
انتيهنا وخرجنا كل واحد في طريقه، وذهبت إلى الخيمة كي نعيد بناءها من جديد، بقينا لساعات حتى حل علينا الليل، الساعة السابعة مساءا نزل المطر مجددا، خلع أغلب الخيام في ساحة المستشفى و خيمتنا أيضا التي قضينا فيها النهار كامل وغرقنا مرة أخرى.
حملنا كل شيء وذهبنا للمدرسة بعد أن تركناها، بعد ساعات سمعنا صوت قصف هز المكان، جيش الاحتلال يقصف بيت بالقرب من المستشفى وإصابات في الشارع القريب من المستشفى الذي نذهب منه لشراء ما هو متوفر، أسرع الاسعاف إليهم ودخل بهم شهداء أحدهم مقسوم إلى نصفين.
الحال هنا كارثي، الناس في المستشفى حالها يبكي الحجر والمواد الغذائية شحيحة وإذا توفرت بسعر مضاعف، لا مكان لهم ،لا جدران تحميهم من البرد ولا شيء يحميهم من القصف لأننا معرضين للموت في أي لحظة لأن الجيش معه الضوء الأخضر من العالم لقتلنا.
تقول الأخبار أن الخميس آخر يوم للشبكات في قطاع غزة بعدها ستتوقف ويطالب نتنياهو كل فلسطيني في قطاع غزة الذهاب إلى سيناء المصرية، ربما يتم تهجيرنا قسرا لذلك، اسمي عصام نزحنا من الشجاعية بعد قصف بيتنا إلى حي الزيتون وقًُصف البيت فوق روؤسنا يوم الجمعة 27 أكتوبر الساعة 6:14، تم تحويلنا من مستشفى الشفاء إلى مستشفى الأوروبي لعلاج والدي، ربما يكون هذا آخر اتصال لنا، ربما يكون الاتصال القادم من سيناء أو من خلال الدعوات إلى أرواحنا.
14 نوفمبر