عالقون بين الأمل والنزوح: مواجهة شبح الموت

اسأل نفسي ما هو الذنب الذي فعلته حتى يلاحقنا كل هذا الموت بهذا البشاعة، أصدقائي أيضا في رفح لا يعرفون إلى أين يذهبوا، الكثير منهم في الطرقات دون مأوى، الجميع هنا تُسحق أحلامه وتتكسر مثلما تتكسر العظام بفعل الصواريخ

عالقون بين الأمل والنزوح: مواجهة شبح الموت

توقعت أن كابوس النزوح أنتهى بعد البقاء 7 شهور في مكان غير بيتنا، اختلف علينا كل شيء، الماء والطعام والنوم حتى العادات والتقاليد، مشاعرنا أيضا أصبحت أكبر وأثقل.

 

أنا عالق هنا

صدري يسحبني نحو البقاء

روحي تقاوم السجن

على جميع أضواء المدينة إخفاء نفسها حداد على ما فقدنه

اليوم ربما نرجع إلى دارنا 

غدا يمكنه أن يكون عاصفا 

من يحمي نفسه من ظلم نفسه أولا

من يدفع عنه ظلم غيره يكون بطلا 

ليس كالذي نعرفه 

إنما كالذي لم نعرفه 

أنا عالق، في حائط غرفتي، في سريري الخشبي المكسور، في ملابسي التي تأخذ رائحتي في الخزانة، في كل أصدقائي الذين تركوا البلاد 

عالق في ياسمينة البيت وصوت جارتنا الذي بالكاد نسمعه 

لكني أكره كل هذا لأن صدري يؤلمني

 

كانت أيام قليلة تنتظرني أنا ووالدي للخروج عبر معبر رفح البري وإكمال علاجه، خمسة أيام فقط، بعدما ظنت عائلتي أنها نجت من الشمال بالنزوح إلى الجنوب لكن وحش الاحتلال يلاحقنا أينما نذهب وسيطر على معبر رفح، استيقظ الجميع البارحة على أخبار دخول رفح وظن الجميع أن الدخول سيكون له تحضيرات قبل الدخول الفعلي للجيش لكن خوف الناس كان أكبر وبدأت العائلات بتحضير أغراضهم للنزوح للمرة الثانية أو الثالثة إلى أماكن مجهولة.

 

أنا وعائلتي نشعر بالتوهان لأننا لا نعرف إلى أين نذهب، نحن نبعد 300 متر عن منطقة دخول رفح لأن مستشفى الأوروبي قريبة جدا من محافظة رفح، كنّا نظن أن النجاة هنا بعدما قُصف المنزل فوق رؤوسنا في 27/10/2023، أذكر ذلك اليوم جيدا كان الغبار يخرج من فمي وظننت أن حياتي انتهت أو ربما أني تحت الأرض وانتهى كل شيء، لقد كان أقسى الأيام التي مرت على قلبي كنت أقف أنا وأختي بجانب بعض والركام فوقنا، ننتظر أن يظهر لنا مخرج من الركام، بعد دقائق لم نرى فيها شي نادى من الطابق السفلي أخي علينا أن الطريق مفتوح، نزلنا ثم بدأنا البحث عن باقي العائلة، وجدنا الجميع إلا والدي، بدأنا بالبحث عنه والحفر تحت الأنقاض حتى وجدناه، لم يقبل الاسعاف الانتظار حتى نخرجه من تحت الأنقاض لكننا طلبنا ذلك على مسؤوليتنا الشخصية لأن الاحتلال يضرب البيت مرتين وكانت هذه الضربة الأولى، أخذت أبي والمصابين من عائلتي وأنا أيضا كنت مصاب في رأسي وكتفي وذهبنا إلى مستشفى الشفاء في شمال غزة وفي اليوم التالي تم تحويلنا إلى مستشفى غزة الأوروبي لتلقي العلاج لأن مستشفى الشفاء كان غير قادر على فتح غرف العمليات بسبب الضغط البشري من الجرحى والجثث، عندما تم تحويل والدي إلى الأوروبي مساء اليوم التالي من القصف كنت أنا في بيت جدي، ذهبت كي أنام لأن جسدي صار غير قادر على فعل شيء بسبب الاصابة، سمعت خبر نقل والدي فذهبت مسرعا حضرت أغراضي ولحقت به، مستشفى الأوروبي هادئة جدا كانت وبالكاد كنّا نسمع صوت انفجار أو قصف، اليوم الدبابات على بعد 300 متر، كنت أتخيل أننا نجونا هنا لكن سيناريو الموت يلاحقنا.

 

اسأل نفسي ما هو الذنب الذي فعلته حتى يلاحقنا كل هذا الموت بهذا البشاعة، أصدقائي أيضا في رفح لا يعرفون إلى أين يذهبوا، الكثير منهم في الطرقات دون مأوى، الجميع هنا تُسحق أحلامه وتتكسر مثلما تتكسر العظام بفعل الصواريخ، وحلم والدي بالنجاة وإكمال علاجه بدأ يتلاشى، سمعته من خلف ستار الغرفة قبل قليل يقول "كان أمامي خمسة أيام وربما ثلاثة لاستعادة بصري في عيني اليمنى" سلب الاحتلال نظره والآن يسلب حقه في العلاج.

 

الغرفة المجاورة لغرفة والدي هناك مصاب كان سفره البارحة لكنه عاد إلى المستشفى بسبب القصف الذي وقع بالقرب من المعبر وكان يجب أن يخرج اليوم أيضا لكن الاحتلال لم يُبقي أي ممر إنساني للمرضى، جارنا يعاني من كسر في الفقرة الثانية من العمود الفقري وربما يصيبه شلل رباعي إذا لم يخضع لعملية جراحية.

 

السيطرة على معبر رفح يعني موت آخر لنا، عائلتي، أصدقائي، 2,5 مليون مواطن في غزة أُغلقت عليهم جميع المخارج وهناك من يضرب فيهم بصوت مرتفع يصل إلى أقصى الأرض ولا أحد يستطيع فعل شيء لهم. 

 

القطاع الصحي سوف ينهار أكثر من قبل، الطعام سيكون قليل جدا، نحن نترقب هنا بأعين خائفة وننتظر موت مجهول، هل نبقى مكاننا ام ننزح مرة أخرى! 

 

كل قرار له ضريبة لا يدفعها عنك أحد، لكن الشيء الوحيد الواضح أننا نتعرض لإبادة جماعية منذ 7 شهور ونحن الآن مقبلين على مجاعة في الجنوب.

 

نشر هذا النص باللغة الألمانية في جريدة تاز